بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فالفتوى بغير علم ، خطرها كبير ، وأمرها عظيم ، وقد وردت النصوص الشرعية بالتحذير من الوقوع فيها ، وبيان أنها من أعظم الذنوب ، من ذلك أن الله عز وجل قرن القول عليه بغير علم بالاشراك معه ، فقال سبحانه وتعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف33 ، وقال جل في علاه : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36
ولا نطيل الكلام في بيان حرمة القول على الله بغير علم ؛ لأنه أمر ظاهر لا يخفى على كثير من المسلمين - بحمد الله – ولكن قد يغفل كثير منهم عن ذلك فيقع في المحظور ، والواجب في حال الفتوى سؤال أهل العلم كما قال الله عز وجل : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43 ، ومن الغرائب والغرائب جمة ما يتوهمه بعض الأخوة الأفاضل – العاملين في وزارة الأوقاف ، أو مركز الوسطية ، أو جمعيات النفع العام الدينية - أن المرء متى ما تقلد وظيفة إشرافية ، أو أمضى زمنا طويلا في الخدمة أو التدين أو الدعوة جاز له أن يفتي ، ويتكلم في مسائل الشرع ، وإن كان أغلب هؤلاء ليس لهم في ميادين العلم الشرعي نصيب ، ولكنه كما قال الشاعر :
في كل علم يخوض مدَّعيا = وهو جهول بكل ما عُرِفا
بل ترى بعضهم يتبجح بجهل فيزدري الأقوال الأخرى في المسألة ، ويوهن أدلتهم ، بل ويرمي هذا الفريق بالتشدد ، وذاك بالاعتدال ، وكأنه من فرسان هذا الميدان ...
دع عنك ما تدّعي للعلم من نسب = فللعلوم مجال فيه فرسان
وهو والله أمر محزن جدا أن يقع ذلك من أولئك وهم من خيرة الناس ، ولكن لقلة الدين والورع في بعض من ظاهرهم الصلاح كثر التكلم في الدين بغير علم ، وانتصب لذلك من ليس له بأهل .
فمن الرزايا أن يُقبل قول هؤلاء في دين الله ، ويُقنع بسؤالهم وإجابتهم ، وهم لم يعرفوا بالعلم ولا الأخذ عن العلماء ...
قال ابن رجب رحمه الله : " يالله العجب ، لو ادعى رجل معرفة صناعة من صنائع الدنيا ولم يعرفه الناس بها ، ولا شاهدوا عنده آلاتها لكذبوه في دعواه ، ولم يأمنوه على أموالهم ، ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة ، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول ، وما شوهد قط يكتب علم الرسول ، ولا يجالس أهله ، ولا يدارسه ؟
فلله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه ، ويحكمونه في أديانهم يفسدها بدعواه الكاذبة
إن كنت تنوح يا حمام البان للبين فأين شاهد الأحزان
أجفانك للدموع أم أجفاني لا يقبل مدع بلا برهان "
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشيدا يعز فيه وليك ، ويذل فيه عدوك ، ويعمل فيه بطاعتك ورضاك...