الشعر وثيقة للتأريخ
قاسم الرويس
إن لتاريخ الجزيرة العربية مصادر عديدة ومتنوعة تمتد من الآثار الشاخصة إلى التواريخ المخطوطة والمؤلفات المعاصرة للأحداث إلى التقارير الرسمية إلى المصادر الصحفية مروراً بكتابات الرحالة والزائرين والمذكرات الشخصية والصور الفوتغرافية وصولاً إلى أهم هذه المصادر وهي الوثائق، ويلاحظ قبل سنوات طويلة عدم احتفاء كثير من الباحثين المتخصصين في الدراسات التاريخية بالشعر النبطي كمصدر تاريخي مهم يمكن الاستفادة منه في الدراسات والبحوث التي تتناول الأحداث خلال الفترة من القرن الحادي عشر الهجري إلى القرن الرابع عشر الهجري أو ما يطلق عليه عصور العامية، ولعل هذا التغييب جاء نتيجة عدم إدراك البعض لأهميته، وكذلك عدم قدرة البعض على التعامل معه، إضافة إلى الصورة النمطية الخاطئة الراسخة في الذهنية الأكاديمية نحو هذا النوع من الشعر العربي في حين أن قيمة الشعر العربي الفصيح منه والعامي تفرض اتصاله الوثيق بالتاريخ السياسي للجزيرة العربية .
لقد كان تعامل الرواد من الباحثين في التاريخ خارج المؤسسة الأكاديمية كابن بليهد والجاسر والعبودي وابن خميس والجنيدل ثم أبوعبدالرحمن بن عقيل والسويداء وغيرهم أكثر وعياً في تعاملهم مع هذا النوع الشعر، لغلبة النزعة العلمية الجادة لاستقصاء المصادر على أطروحاتهم، إضافة إلى إدراكهم أهمية هذا الشعر، بسبب إلمامهم به ومعرفتهم له وفهمهم لمعانيه ودلالاته، وهنا يظهر الفرق بين الباحث المستقل الذي ضالته الحكمة وبين الباحث المكبل بقيود التقاليد الأكاديمية المتوارثة، حتى جاء الدكتور العثيمين فكان من أوائل الأكاديميين الذين نبهوا على أهمية هذا الشعر كمصدر تاريخي وبخاصة لتاريخ وسط الجزيرة العربية بل واعتمد عليه في بحوثه وأطروحاته فبث الوعي بأهميته في الأوساط الأكاديمية ولكن ظل الاهتمام به محدوداً إلى اليوم للأسباب التي أشرت إليها على الرغم من توظيف بعض الباحثين المتميزين هذا الشعر لخدمة بحوثهم ودراساتهم كالدكتور السلمان الدكتورة دلال الحربي وغيرهما.
ويأتي الدكتور سعد الصويان بأطروحاته الرائدة في دراسات الشعر النبطي ليضيف وهجاً كبيراً لهذا الشعر في المؤسسات الأكاديمية في الداخل والخارج حيث عمل على التأصيل لهذا المصدر النادر للدراسات الأنثربيولوجية من خلال تتبعه لمخطوطاته القديمة والتعريف بها والتأكيد على أهميتها كوثيقة خطية للوصول إلى أقدم نصوصه المدونة وفحصها ودراستها دراسة متأنية معتمداً عليها في التأريخ للشعر النبطي والاستدلال على عصوره وتحقيبه استناداً إلى مراحل التاريخ السياسي لجزيرة العرب لافتاً النظر إلى هذه المخطوطات ليتم الاعتماد عليها كمصادر أصيلة لا يستغني عنها الباحثون في الدراسات الإنسانية بصفة عامة.
من هنا يكتسب بعث مخطوطات الشعر النبطي ونشرها أهميته من الناحية العلمية، وفيما تتداول أيدي الباحثين مصورات مخطوطات عديدة وشهيرة ليستفيدوا منها في أبحاثهم وكتاباتهم إلا أنه لم يتم طباعة أو نشر أي مخطوطة من تلك المخطوطات وعلى رأسها مخطوطات هوبير والحساوي والصويغ والذكير والربيعي وابن يحيى وغيرها ولا أدري عن سر تردد الباحثين من أبناء الجزيرة العربية المحيطين بهذا الشعر في الإقدام على تحقيق هذه المخطوطات ونشرها؟! لقد أدى هذا التردد والإحجام كما نلاحظ إلى جرأة دور النشر خارج الجزيرة العربية والعاملين معها على الشعر النبطي بهدف التكسب فخرجت إحدى مخطوطاته بصورة سيئة خالية من التحقيق والتدقيق كما حدث لمخطوطة سليمان الدخيل
أعراب نجد وما يتعلق بهم) بل تم إعادة نشر كتاب (ألبرت سوسين) وهو أول ديوان مطبوع للشعر النبطي فظهر في صورة مشوهة مليئة بالأخطاء اللامبالية بالأمانة العلمية أو الرصانة الثقافية وقد سبق لي الكتابة عن هذا الموضوع وعرض بعض أخطاء الناشرين فيهما في هذه الصفحة عند صدورهما قبل سنوات.
منقول
http://www.alriyadh.com/2012/11/27/article787613.html